١٣) حفيدة أبطال – من وحي مقالة (هل شممت رائحة النبي؟!) لأسعد طه

لم أتمالك نفسي وسقطت دموعي وأنا استمع لمقالة مسموعة بعنوان (هل شممت رائحة النبي؟!) والتي كتبها وألقاها الكاتب والصحفي المصري أسعد طه وتحدث فيها عن الشعوب المسلمة في وسط وشمال آسيا في حقبة الاستعمار السوفيتي، وسرد بعض من محاولاتهم المميتة لإبقاء أقل قدر من معاني الإسلام في حياتهم وحياة أبنائهم.

تعود أصول أجدادي لهذه المناطق وهي بلاد الترك الأصلية والتي دخل فيها الإسلام من بدايات العصر الإسلامي في عهد الدولة الأموية. وفي عز العصر الذهبي للإسلام خرج من هذه المنطقة كبار العلماء في الدين كأمثال رواة الأحاديث البخاري والترمذي والنسائي، والعلوم المختلفة كالطب والجغرافيا والفلك والحساب، كالزمخشري والخوارزمي والبيروني والفارابي وغيرهم. وفي ثلاثينات القرن العشرين غزى الاتحاد السوفيتي المنطقة وبدأ بتدمير الشعب وتدمير دينهم وعاداتهم وتقاليدهم.

أذكر مرة كنت أقص فيها على إحدى زميلاتي من أصول عربية بدوية عن رحلة أجدادي التي خاضوها للوصول لمكة المكرمة هربًا وفرارًا بدينهم فهم يؤمنون بأن مكة المكرمة هي مدينة الإسلام والسلام كما وصفها الله عز وجل ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ۝ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ وسردت لها حكاوي جدي رحمه الله قبل هجرته في محاولاته لحفظ القرآن خفاءً في قبو المنزل خوفًا من أن تطير رؤوسهم إذا علمت شرطة الاتحاد السوفيتي بذلك، وهي من إحدى القصص التي ذكرها الكاتب في مقالته. ومازلت أذكر الدهشة في عيون زميلتي كيف أني أقص القصة بشغفٍ وعدم خجل من أصول أجدادي حيث قالت لي (ماشاء الله عليكِ ما تستحين من القصة) قالتها لي بكل عفوية وهي متعجبة ومعجبة كيف أني أقص القصة وكأنها ملحمة تاريخية. أمانةً لا ألومها فقد تربت في مجتمع يرى أن أي شخص جاء أجداده من بقاع مختلفة خارج الجزيرة العربية هو عار على هذه الجزيرة.

ما أدمع عيناي عند سماع المقالة هو عدم إدراك أحفاد هؤلاء الأبطال بما عانوه وقاسوه أجدادهم ليحافظوا على دينهم ودين ذرياتهم حتى قرر بعضهم الهجرة لأرض الحجاز، فليس لهم غير مكة المكرمة تعصمهم وتعصم دينهم امتثالًا لأمره تبارك وتعالى حينما قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأوائل الصحابة الكرام الذين تركوا أرضهم الغالية على قلوبهم فرارًا بدينهم. وما أدمع عيناي هو محدودية نظر وتفكير الناس بي (وش أصلك).

إن كنت تتحدث عن الأصل، فتعود أصولي لرجال أبطال خاطروا بحياتهم لإبقاء كلمة الله في حياتهم قدر ما يستطعيون وإن كلف ذلك بقائهم تحت الأرض لساعات طويلة أو عبورهم آلاف الكيلومترات في أراضي الله. وكل ما أمر بآية ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ في سورة الكهف، أتذكر رحلة أجدادي وما أنا عليه الآن من نعم أنعمها الله علي وأقول لنفسي لعل هذه النعم، والتي هي من فضل الله أولًا وأخيرًا، هي ببركة توفيق الله لأجدادي في الحفاظ على دينهم والذين أحسبهم من الصالحين ولا نزكي أحدًا على الله.

ورغم بطولات أجدادي، وأجداد الجميع، فكل إنسان يسعى بما يرضي الله هو بطل قصته. ومع ذلك وكما ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه (إن الفتى من يقول ها أنا ذا…ليس الفتى من يقول كان أبي) وأصدق منه قولًا الله عز وجل حين قال ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ وفي قصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مر رجل من فقراء المسلمين عليه يومًا فقال لأصحابه: (ما تقولون في هذا ؟)، فقالوا: رجل من فقراء المسلمين، هذا والله حرى إن خطب ألا يُزوج، وإن شفع ألا يُشفّع. ثم مر رجل آخر من الأشراف، فقال: (ما تقولون في هذا ؟)، قالوا: رجل من أشراف القوم، هذا والله حرى إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفّع. فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل الفقير الأول فقال: (والله هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا).

المفاد أن تنشغل بنفسك وما بين يديك الآن بأن تتقي الله عز وجل ما استطعت ولا تشغل نفسك بما اختاره الله لك وللآخرين وقدّره عليكم. أقول قولي هذا وأنا على يقين بغلبة الطبع البشري على الإنسان حيث قال من لا ينطق عن الهوى (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن) وذكر منها (التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب) ولكن تدوينتي هذه وكما قال الله عز وجل ﴿مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.

اترككم مع المقالة التي ألهمتني بكتابة هذه التدوينة والتي تسرد بعضًا من قصص ومحاولات هؤلاء الأبطال في الحفاظ على دينهم ما استطاعوا:

التعليقات

شاركني رأيك

لن يتم نشر بريدك الالكتروني
لن يتم نشر بريدك الالكتروني

تدوينات أخرى

استمع للتدوينة