هل هو حزن؟ اكتئاب؟ ضيق؟ تعاسة؟ ملل؟ نقص؟ تردد؟ آسى؟ خوف؟ تشتت؟ أم جميع هذه المشاعر؟ أم خليط من هذه المشاعر؟ أم ولا واحدة من هذه؟!!
في دورة تدريبية حضرتها عن تطوير الذكاء العاطفي للدكتورة بريت أندريتا- مستشارة تنمية المواهب والقادة في لينكدإن، ذكرت أن المشاعر هي معلومات مليئة بالبيانات التي يجب أن تقرأها بتمعن حتى تستطيع تميزها وفهمها وبالتالي التعامل معها.
والصراحة أن هذه ليست المرة الأولى التي أشعر فيها بمشاعر سلبية ولا أستطيع تحديد ما بيّ. ولكن هذه المرة الأولى التي قررت فيها التعرف أكثر على مشاعري هذه، وأتجرأ لأعيشها لا أن أُلهي نفسي عنها. والتعرف على مسميات المشاعر هي أولى الخطوات في هذه الرحلة التي أود مشاركتها معك إن كنت تمر بمرحلة مماثلة.
معرفة مسميات المشاعر ساعدني على مخاطبتها باسمها والتعامل معها بكيان منفصل عني. هي مشاعر مؤقتة لفترة قد تطول أو تقصر لكنها ليست أنا. مثلًا أن تشعر بالخوف في فترة معينة ولوجود أسباب مدعاة لذلك لا يعني أنك إنسان (خوّاف) فهذا حكم مطلق وهذا الحكم مع الوقت سيجعلك تؤمن أنها صفة من صفاتك وطبع من طباعك، وعند حصول مواقف مدعاة للخوف سيتفاقم شعورك هذا وستظن أنك جبان. لذلك تذكر أنت تشعر بالخوف ولكنك لست خوّاف وقس عليها.
فائدة أخرى حصلت عليها من التعرف على مسمى المشاعر التي أشعر بها هي أن أعاملها بحجمها لا بحجم مشاعر أخرى. مشاعر الحزن تختلف عن مشاعر الاكتئاب. وبالتالي عيشك للحظات الحزن يختلف عن عيش لحظات الاكتئاب. وتعاملك مع مشاعر الحزن يختلف عن التعامل مع مشاعر الاكتئاب. سمي المشاعر بأسمائها حتى لا تعطيها أكبر من حجمها ولا تستصغرها أيضًا.
الخطوات التالية ساعدتني في تسمية مشاعري وفي التعامل معها:
أولًا، أدركت واعترفت بوجود مشاعر ما. لا مانع لدي من أن أشعر بمشاعر سلبية. فليس من أهدافي حتى أن تكون مشاعري إيجابية دائمًا. بالعكس من الطبيعي أن يشعر الإنسان بمشاعر إيجابية تارة وبمشاعر سلبية تارة أخرى وبمشاعر مختلطة تارة ثالثة. لا تخجل من نفسك من أنك تمر بهذه المشاعر ولا تعاتبها أو تأنبها فهي ليست بسبب ضعف إرادة أو قلة إيمان أو أنك إنسان (وِحِش). مشاعري من سلبية أو إيجابية أو غيرها موجودة لأني (إنسان حي).
ثانيًا، لم أجبر نفسي بأن أكون إيجابية. أنا على علم ووعي تام بالنصائح والممارسات الإيجابية. والتي جربت معظمها وهي مفيدة جدًا ولكن في هذه المرحلة فعليًا لا تُفيد. التركيز على أن تكون إيجابي دائمًا وأن تقوم بالممارسات التي تجعلك إيجابي كترديد التوكيدات وممارسة الرياضة أو التأمل وغيرها هي المرحلة الثانية بعد مرحلة اكتشاف مشاعرك، والبدء بها يعتبر مهرب في بعض الأحيان، أحيانًا نحتاج للمواجهة. ومواجهة النفس أصعب مواجهة، لأنك تعلم مسبقًا أن كثير من أسئلتك ليس لها إجابات، ولا بأس بذلك لأن دورك هو إيجاد الإجابات الصريحة لهذه الأسئلة التي تدور في عقلك، وأحيانًا تجد أنك تسأل الأسئلة الخاطئة فتعود لتعيد صياغتها.
ثالثًا، شاركت مشاعري مع بعض الأصدقاء والأهل ومن ثم توقفت. الأصدقاء والأهل والأحباب ليسوا وجهة مناسبة في هذه المرحلة. الشخص الذي ينصحك ويذكرك بالنعم أو بالتحلي بالإيجابية أو ممارسة بعض العادات التي تجلب السعادة ابتعد عن اللجوء إليه في هذا الأمر. بالتأكيد هو يحاول أن يساعدك من محبته لك وفي تصوره أن هذه أفضل طريقة، ومن الرائع أن يكون لديك محيط داعم. ولكن في هذه المرحلة أنت تحتاج لشخص أكثر حيادية لا إلى شخص محب.
رابعًا، بدأت الغوص في المشاعر. لا تخاف من أن تغوص في هذه المشاعر السلبية لتفهمها وتعرف أسبابها. لا تخاف من أن تقرأ وتسمع عن الاكتئاب أو الحزن أو الغضب أو الملل أو غيرها من المشاعر ولا تفكر بأنك تقوم بجذبها. أنت فقط تحاول أن تزيد من وعيك عما لا تدركه وتفهم نفسك. تحتاج لكثير من الوعي في هذه الفترة وإلى عقل منفتح ومستعد لإدراك ما لا يسره. لا تخاف من أن تعطي وقت ومساحة لهذه المشاعر لتفهمها وتتعاطف معها حتى تتقبلها. وخصوصًا إن لم تكن المرة الأولى التي تحس بهذا الشعور فإنها لن تكون المرة الأخيرة، وعليه حتى تزورك مرة أخرى ستكون أقدر تفهم لسبب مرورها وأوعى بالتعامل معها. توسع في القراءة عن علم النفس لفهم مكنونات النفس البشرية والتي ستساعدك على أن توقن أنك طبيعي وكل ما تمر به طبيعي جدًا.
خامسًا، استعنت بمختص. لا بأس بزيارة مختص لأنك تريد من يسمعك أولًا، وتريد شخصًا حياديًا وموثقًا ليساعدك على أن تسمي هذه المشاعر، ومن ثم يدلك ويتابع معك في محاولاتك في التعامل معها وفهمها حتى تصل إلى علاجها. وكما ذكرت سابقًا عليك أن تكون على استعداد بأنك قد تُصدم ببعض المعلومات التي استنتجها هذا المختص من حوارك معه والتي هي تفسير لما تشعر وتمر به. ستحس بأنه ألبسك نظارة ساعدتك على رؤية أفضل، قد تسر وقد تستاء مما رأيت لوهلة، ولكن يجب أن تتقبل وتتعايش مع الوضع حتى تستطيع بدء التعامل معه.
سادسًا، راقبت نفسي عن كثب ومن خلال التأمل والكتابة. عين نفسك رقيبًا على نفسك. اكتب ما الذي أزعجك أو أحزنك أو أغضبك اليوم ولماذا برأيك، هل لأنه حرك فيك مشاعر هي من ترسبات الماضي قد تكون من تجارب سابقة أو حتى من الطفولة، أو لأنها مرتبطة بقيمك والتي هي الخطوط الحمراء في حياتك. ماهي مثيرات هذه المشاعر لأن في الغالب مشاعرنا هي نتائج تفكيرنا وأحيانًا ردود للأفعال والظروف من حولنا. افهم أيضًا جسدك واحتياجاته وستذهل كيف أن كثير من المشاعر قد يكون سببها حاجة جسدية مثل الأكل كأبسط مثال.
كلمة أخيرة: الهروب من الشعور بهذه المشاعر السلبية ليس بحل. ولا الالتهاء بتحقيق الأهداف أو تغيير نفسيتك، لأنها مجرد غطاء تغطي هذه المشاعر لفترة، ومن ثم سينقشع الغطاء لتعود المشاعر بالظهور. ووقتها ستفاجأ: لماذا هذه المشاعر مازالت بحياتي ولماذا أشعر بها، وتبدأ بإطلاق الأحكام على نفسك وحتى ستقسو على نفسك.
لذلك اعطف وحن على نفسك ولا تثقل عليها وردد ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾. وأولًا وأخيرًا تذكر أن الله معك وحولك وملجأك ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾.
هذا ما لدي للآن قد أعود بعد فترة لتصحيح بعض المفاهيم أو لإضافة مفاهيم جديدة في هذا الموضوع. لأني بالتأكيد سأعيش مشاعر مماثلة مستقبلًا وبالتأكيد أنها ستمضي فدوام الحال من المحال.
دمتم في سلام
ماشاء الله أفكار مفيدة ومسهلة ومرتبة الله يعطيكِ العافية
مرحلة البحث عن مختص مرحلة صعبة عندي من جهة اختيار المختص ومن جهة الدافع الكافي لمراجعته .
خياراتنا أحياناً تؤثر سلباً على من نهتم لأمرهم أو هكذا نتوقع فنحجم عن اتخاذ قرار وندور في دائرة مفرغة من الألم والحيرة
شكرًا لك على مرورك بالتدوينة وعلى التعليق
البحث عن مختص في أي مجال من مجالات الحياة الشخصية أو المهنية هي بالفعل مسألة صعبة وتحتاج لتكرار المحاولة في حال عدم مناسبة المختص لنا. فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) لذلك قد لا ترتاح لشخص رغم كثرة المديح الذي تكون قد سمعته عنه. لكن من يحاول سيصل (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يُرى) ويسخر الله للناس أشباههم، فقط نحتاج التحلي بالصبر واستمرار السعي والمحاولة.
بالنسبة للدافع لمراجعة مختص هي نفس الدافع للفضفضة لقريب أو لقراءة كتاب أو مشاهدة فيديو توعوي عن موضوع معين. فأنت تستعين بالطرق المختلفة إن كنت ترغب في فهم موضوع ما أو حل مشكلة ما. والجميل في استشارة مختص هو أنه لدينا المجال للمحاورة والسؤال فهو تواصل باتجاهين وليس باتجاه واحد كقراءة كتاب مثلًا فأنت لا تستطيع أن تحاور وتسأل الكاتب في وجود استفسارات حول ما قرأت.
وعمومًا كل ما نفعله يظل محاولات وسعي والله هو الموفق ورازق البصيرة.
دمت بسلام..
[…] الخطوة الثانية: التعامل مع الحالة لتستطيع الشفاء مما أصابك وتبني مناعة نفسية لأي إصابة مستقبلية. وأيضًا تحدثت عن هذه الخطوة في تدوينة مشاعر لم تُسمى بعد. […]